تجربتي مع فكرة الجهاد (الجزء الأول )



"الجهاد" من الدفاع ... إلى الجريمة

العيش في أيديولوجيتها (الجزء الأول)


البداية



كنت في الصف الثاني  الابتدائي  وعمري لم يتجاوز ثمانِ سنوات بعد؛ حينها كنت جالسا في صالة الجلوس مع والدي ليذاكر لي بعض الدروس كان ذلك عام 2000 ميلادي أي العام الذي قامت فيه الانتفاضة الفلسطينية ، وكان والدي يشاهد نشرة الأخبار التي كانت تعرض  مشهد محمد الدرة وهو يُقتل بدم بارد من قبل جندي صهيوني ، لم أكن أدرك تمامًا أن  هذا المشهد الذي سيرسم لي بواعث الحماس والمشاعر الجياشة لمناصرة الشعب الفلسطيني  والتفكير فقط في حمل السلاح وقتال الصهاينة المغتصبين لأرض عربية سيتحولإلى تشتتٍ فكري صارخ وانحراف عن فكرة "الجهاد" الحقيقية الذي هو في الواقع كان متمثلا ومازال في العقل العربي.

تساؤلات طفل


منذ تلك اللحظة بدأت أفكر وأتابع الأخبار والبرامج السياسية لأدخل في عالم مليء بالتناقضات ، عالم يؤخذ على مضض ومن جانب آخر كنت على موعد مع صراع ديني سياسي فكري دام سنين طويلة ،  وبدأت الأسئلة تتوالى عليّ ... هل أنفك عن ثوابتي الدينية لأنتقل إلى عالم السياسة الذي بدأ بشد انتباهي إليه ؟ أم أن مقاصد الشرع أعم وأشمل وبها سعة لتترك السياسة تقوم بعملها بدون قيود لتحقيق الحد الأدنى من تلك المقاصد ؟ أم أن هناك آيديولوجيات تحكم العلاقة بينهما (السياسة والدين) ؟.

بداية قصة لم تنتهي

هنا جعلت التاريخ يجيب على تلك الاسئلة تباعا .. مضت الأيام وصارت حادثة 11سبتمبر لعام 2001 ميلادي ، وقتل فيها ما يقرب 3000 شخص تقريبا في كِلا البرجين ، حينها بدأ ذلك المهرج مزمجرا بالثأر ممن ارتكب هذه الجريمة وعيّن متهما أول ووحيد هو أسامة بن لادن وقرر أن يغزو أفغانستان التي كانت تحت سيطرة طالبان آنذاك ، وما إن بدأت طلائع الجيش الأمريكي تصل إلى العاصمة كابول حتى بدأت بدكِ المدينة بالقنابل الفسفورية وغيرها على أناس عزل، وأصبحت أي دبابة هشّة أو طائرة لا تقدر على الطيران هدفا سهلا لصواريخ الجيش الأمريكي ، وتناثرت الأشلاء والجثث في أرجاء البلد .. وبعدها انسحبت طالبان وسقطت حكومتها ، وبدأ فصل جديد في تاريخ أفغانستان. استمر القتال والدفاع عن الأرض مع استمرار انتهاك القوات الأمريكية لحرمة البشر والحجر والشجر ، وأصبح لا منفذ للانسان إلا أن يرد الحق لأصحابه ولابد من الإنتقام، فصارت عمليات نوعية نفذتها طالبان مع حليفتها القاعدة ضد القوات الأمريكية المحتلة، ولكن غالبا ما يكون المدنيون هم الضحية للرد الأمريكي الشرس .
كان التجييش الإعلامي ضد الأمريكان في أوجهِ آنذاك ومازال ولكن كان لديهم دافع كبير لذلك حتى يدافعوا عن أنفسهم ، ولا أخفي على أحد أنني كنت أتلمس الوسيلة التي توصلني إلى ساحات "الوغى " لأقارع "الصليبيين" حتى أنتصر أو أستشهد ، كانت رموز الجهاد تلوح في مخيّلتي .. خطّاب و بن لادن و الملا عمر وغيرهم الكثير، كنت من المتيمين بهذه الرموز التي أثخنت العدو ويلات الحروب سنينَ طويلة.

العراق

بعدها كرر ذلك المهرج فعلته في مكان أقرب إليّ قوميا وجغرافيا وحتى تاريخيا، ولفق تهمة ليجيز لنفسه غزو العراق في صيف عام 2003 ؛ هنا وقع على الجرح تماما!! ... في العراق الوضع مختلف كثيرا حيث أنه كان محكوما من قبل حزب البعث ورئيسه صدام حسين؛هذا الرجل الطاغية عند البعض ، والبطل عند البعض الآخر والأحمق عند غيرهم ، طاغية في نظر من يعتبره غازيًا للكويت،  ومحتل لها ، وطاغية في نظر من اعتبره عنصريًا وجبارًا في قتاله للإيرانيين لثمان سنين بعد الإطاحة بالشاه ، والعكس هناك من يعتبره بطلا بسبب قتاله لإيران والكويت وبعدها أمريكا ، وأحمق في نظر المراقبين عن بعد للوضع في المنطقة نظرا لأنه تسبب في عزل شعبه وحصاره لفترة طويلة، المهم.. بعد أن قرر "راعي البقر" أن يغزو العراق ارتسم مشهد تراجيدي حماسي آخر أثار النخوة والحماسة  لدي مرة أخرى ، فالأمر هنا مختلف من حيث النوع والكيفية فمنذ أن جاء الغزاة ودخلوا الحدود ودارت المعارك وأنا والكثيرين يترقبون  لحظة الحسم والانتصار؛ بيد أن تصريحات الصحّاف كانت تتسم بالعاطفة أكثر من الجانب التكتيكي في وصفه لمجريات المعركة ، وعند سقوط بغداد صارت الفوضى وانعدم الأمن والنظام، حتى أصبح التشفي والقتل والانتقام أبرز عناوينه . هنا دخلت أنا في فصل آخر .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اللغة.. ذاكرة الشعوب وأمٌ للحضارات

جمادات مشتاقة للعلوم ذوّاقة

منار المجد